جنوب بوينس أيرس العاصمة الأرجنتينية، في حي مليء بالأكواخ المرتشية، ووسط عائلة فقيرة تعمل فيها الأم خادمة بيوت والأب عاملا بسيطا في إحدى المصانع، قدم هذا الأخير هدية لابنه عبارة عن كرة قدم، ولم يكن يعلم أنه بفعله البسيط هذا قد أنشأ أسطورة خلقت جدلا في لعبة كرة القدم.
إنه اللاعب دييغو أرماندو مارادونا المولود في عام 1960، صاحب الموهبة الخارقة للعادة التي أبهر بها الجميع، والذي جعل الإعلام والصحافة يسلطان عليه الضوء وهو طفل في سن الثامنة، الشيء الذي تعود عليه مبكرا، حيث كان يتحدث للكاميرات مشاركا الجميع تفاصيل حلمه الذي كان هو الفوز بكأس العالم يوما ما، وهذا ما دفع مسؤولي أرجنتينيوس جونيورز على استدعائه واختبار موهبته التي صدموا بها، لكن والد دييغو كان رافضا لتسجيله، مبررا ذلك بأن كرة القدم لا تجلب المال بالشكل الكافي، لكن مارادونا ظل مصمما حتى أقنع والده، ليبدأ من هنا لمعان اسمه على صعيد البلاد.
ذهب لأول مرة مارادونا مع الأرجنتين إلى مونديال إسبانيا عام 1982 لكن لم يحالفه الحظ نظرا لأن بلاده كانت تخوض حربا عسكرية مع المملكة المتحدة أطلق عليها حرب فوكلاند، حيث اشتهر حينها بطرده الشهير خلال مباراته مع البرازيل التي ودعوا معها البطولة.
إحترافية مارادونا جعلت أنظار العالم كلها ترتكز عليه، خصوصا النوادي الأوربية ليختار وسط كل تلك العروض التحاقه بفريق برشلونة الذي حقق فيه نجاحا فائقا جعل خصومه لا يجدون غير حيلة العنف لمواجهة ذكائه وسحره داخل الملعب، الشيء الذي جعله يتعرض مرارا لكسور في جسمه.
غادر دييغو نادي برشلونة متجها نحو إيطاليا التي قدم شعبها الكثير من الحب له ليكون حبهم هذا دافعا قويا لتقديم كل ما هو عظيم لهم.
في المونديال المكسيكي عام 1989 كان مارادونا قائدا للأرجنتين، ليصنع في تلك البطولة عبقرية ظلت خالدة في التاريخ، فتوج هدافا لتسجيله ستة أهداف ومنح لزملائه خمسة أخرى، وكان أيضا قائدا لأقوى المعارك في كرة القدم التي هي مواجهة منتخبه الأرجنتيني ضد إنجلترا، و التي شهدت أشهر هدفين في تاريخ كرة القدم من توقيع دييغو مارادونا فاشتهر حينها بقوله “هذا الهدف من السماء إنها يد الله “، ليحقق بذلك الفوز حلم طفولته ويحمل كأس العالم بين يديه.
رجع بعد ذلك لنادي نابولي في إيطاليا، بكل ثقة وجهد ليهزم فريق اليوفي وميلان وإنتر، ليتفوق الجنوب على الشمال لأول مرة ما جعل سكان نابولي يعشقون دييغو، لدرجة أنهم علقوا صوره في كل أرجاء المدينة وأسمو العديد من الأطفال باسمه، لكن شاء لهذا الحب أن تلاشى في مونديال 1990 بإيطاليا، حين طلب منهم دييغو في ملعب نابولي تشجيع الأرجنتين ضد بلادهم، ليتلقى بذلك الطلب العديد من الانتقادات و تنتهي معه كذلك مسيرته مع إيطاليا، بل مسيرته الكروية الساطعة كلها بعد إلقاء القبض عليه في المطار بتهمة المخدرات، ليبقى في السجن بعدها لمدة 15شهرا.
عاد مارادونا بعد خروجه من السجن إلى كرة القدم لكن بمسيرة عادية، لكنه ظل متشبثا بالعودة إلى مونديال 1994، لكن مرض الجيوب الأنفية كان عائقا له.
21 عاما هو العمر الكامل الذي قضاه مارادونا وسط كرة القدم حصيلتها 491 مباراة و259 هدفا.
اعتزل دييغو سنة 2001 في حفل مهيب، وقف على منصة رحيله وبكى وطلب المغفرة من الجميع قائلا:
’’ لقد دفعت الثمن غاليا، فهل هذا كاف للمغفرة، تذكروا يا من عشت بينهم أن الرب يغفر والأب يسامح والأم تتغاضى رحمة بمن أنجبت، فهل ذلك كاف ليشفع لصفاء قلوبكم اتجاهي‘‘.
رحل عن الحياة مارادونا الأربعاء 25 نونبر 2020 عن عمر ناهز 60 سنة، تاركا لنا أعظم رواية في تاريخ كرة القدم وتاركا كذلك المهمة للتاريخ لتخليد سيرته.
مريم بن حجو